«العمارة المستدامة»، أو العمارة الخضراء، مصطلح عام يصف تقنيات التصميم الواعي بيئياً في مجال الهندسة المعمارية. ويمكن استخدام هذا المصطلح لوصف الطاقة في التصاميم المبنية والواعية بيئياً، أي أن الاستدامة تعني عدم استنزاف الموارد الطبيعية لضمان دوامها واستمراريتها للأجيال القادمة. ويمكن تلخيص المقصد الأساسي للاستدامة بأنه تقليل تأثير البيئة المشيدة على البيئة الطبيعية، وتحسين فعالية المبنى لضمان حياة ذات جودة عالية للأجيال المستقبلية.
والاستدامة في التصميم تهتم بالجوانب البيئية والاقتصادية المحيطة بالمبنى، ما يستوجب التركيز على غلاف المبنى والتلوث والإنارة والتهوية والضجيج وخفض الحرارة، وإدارة النفايات وتقليل الآثار البيئية، كذلك تعرف بأنها الأبنية التي تأخذ بالاعتبار وتحترم الترتيب الطبيعي للأشياء من حيث التصميم، الذي يقلل التأثير السلبي للإنسان على البيئة المحيطة به من مواد وموارد طبيعية، ومفهوم الأبنية الخضراء هدف لتحقيق مفهوم الاستدامة في جميع مناحي الحياة العامة بين كل شرائح المجتمع الواحد.
هناك العديد من المؤسسات التي تبنت مفهوم الاستدامة ووضعت المعايير والاشتراطات لتحسين وتطوير مفهوم الاستدامة على الأبنية حول العالم ومن أشهرها، برنامج حكومة أبوظبي (استدامة) ESTIDAMA، و(المجلس الأميركي للأبنية الخضراء) USGBC، مؤسسة أبحاث الأبنية لدعم التقييم البيئي في بريطانيا – BREEAM، و(مجلس الإمارات للأبنية الخضراء) EGBC.
ورغم اختلاف تلك الأنظمة في تشريعاتها، فإنها تتفق في التقييم العام حول تطبيق المعايير العامة للاستدامة، خصوصاً في مجال الأبنية المستدامة، من ناحية استخدام الموارد الطبيعية وتقليل المخلفات وإعادة تدوير النفايات، حماية الطبيعة التي هي المصدر لكل الموارد، خلق بيئية مشيدة صحية للأجيال المستقبلية، تصميم مبانٍ ذات كفاءة عالية، وذلك عن طريق الموازنة بين الأداء والبيئة والموارد والتركيز على الكلفة الكلية لحياة المبنى وليس الكلفة الأولية للتشييد، الاهتمام بالانبعاث الكربوني. وأهم محاور الأبنية المستدامة التصميم والابتكار، إدارة الطاقة، إدارة المياه والمياه المعالجة، إدارة المياه والمخلفات، جودة البيئة الداخلية.
ومن أهم الفوائد التي يمكن الحصول عليها عند تطبيق معايير الاستدامة على المباني، رفع كفاءة استهلاك الطاقة والمياه، التحسين في مستوى جودة المعيشة الداخلية، رفع مستوى إدارة تدوير النفايات المنزلية، تدعيم ثقافة الاستدامة وتطبيقها في المجتمع، تحسين قياس الطاقة المستهلكة، إدارة وتشغيل المباني والتقليل في تكاليف الصيانة، الحد من التلوث البيئي داخل المبنى وخارجه. وقد أدرجت حكومة أبوظبي رؤية الاستدامة ضمن استراتيجيتها، وجعلتها إحدى الركائز الأساسية لرؤية أبوظبي 2030، حيث تتمحور رؤية أبوظبي للاستدامة حول تطبيق مفهوم استدامة المجمعات والأحياء السكنية من مرحلة التصميم إلى مرحلة الصيانة والتشغيل.
وتأتي أهمية هذا النظام في ترسيخ ثقافة استدامة البيئة بالكامل من مبانٍ وأرصفة مشاة وحدائق خارجية وغيرها. كما تراعي خدمة وتقييم نظام مستدام للمجمعات والشفافية بين المستخدمين، والتي توفر في المقابل الكثير من الفوائد المستدامة في المباني، بالتالي تقود إلى خفض تكاليف الصيانة ورفع المدخرات لكامل حياة المجمعات والأحياء. وتتمحور رؤية أبوظبي للاستدامة حول أربعة ركائز، هي البيئة والاقتصاد والثقافة والمجتمع، حيث أضافت أبوظبي ركيزة الثقافة كعنصر رابع، بينما التجارب العالمية تركز على ثلاثة ركائز فقط، لأهمية ذلك في إبراز ثقافة دولة الإمارات العربية المتحدة عالمياً، وللحفاظ على هوية وشكل المبنى الإماراتي التراثي المميز.
وتعد مدينة «مصدر» من المجمعات العمرانية الأكثر استدامة على مستوى العالم، حيث تعتمد المدينة نهج التصميم العمراني الذكي والفعال، والذي يظهر إمكانية التعامل مع الكثافة السكانية ضمن المجمعات الحضرية على نحو أكثر كفاءة. فالمباني مصممة بحيث ينخفض استهلاك الطاقة والمياه فيها بنسبة 40% مقارنة مع المباني العادية في أبوظبي.
كما يشترط على كل مبنى أن يحقق تصنيف «3 لآلئ» (تعادل شهادة ليد الذهبية) كحد أدنى، بموجب نظام التقييم بدرجات اللؤلؤ للمباني التابعة لبرنامج «استدامة»، الذي أطلقه مجلس أبوظبي للتخطيط العمراني. وهناك الكثير من المشاريع التي تم انشاؤها وفقاً لمعايير الاستدامة، ومنها على سبيل المثال المباني التالية: مبنى الوكالة الدولية للطاقة المتجددة – أيرينا، مجمع الاتحاد السكني المستدام، مبنى «سيمنز الشرق الأوسط»، وجامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، مبنى «واحة الابتكار»، مبنى مسرعات الأعمال، وغيرها من المشاريع الحكومية التي قامت بتطبيق معايير الاستدامة في مشاريعها، سواء التجارية أو الصناعية أو السكنية.
*باحث في الطاقة المتجددة